الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
فأجابه سماك اليهودي ، فقال : إن تفخروا فهو فخر لكم * بمقتل كعب أبي الأشرف غداة غدوتم على حتفه * ولم يأت غدرا ولم يخلف فعلَّ الليالي وصرف الدهور * يدين من العادل المنصف بقتل النضير وأحلافها * وعقر النخيل ولم تقطف فإن لا أمت نأتكم بالقنا * وكل حسام معا مرهف بكف كمي به يحتمي * متى يلق قرنا له يتلف مع القوم صخر وأشياعه * إذا غاور القوم لم يضعف كليث بترج حمى غيله * أخي غابة هاصر أجوف كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف : لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذلك الدهر ذو صرف يدور وذلك أنهم كفروا برب * عزيز أمره أمر كبير وقد أوتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير فقال بلى لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يجز الكفور فلما أشربوا غدرا وكفرا * وحاد بهم عن الحق النفور أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذا دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير فماكره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير وغسان الحماة موازره * على الأعداء وهو لهم وزير فقال السلم ويحكم فصدوا * وحالف أمرهم كذب وزور فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور فأجابه سماك اليهودي ، فقال : أرقت وضافني هم كبير * بليل غيره ليل قصير أرى الأحبار تنكره جميعا * وكلهم له علم خبير وكانوا الدارسين لكل علم * به التوراة تنطق والزبور قتلتم سيد الأحبار كعبا * وقدما كان يأمن من يجير تدلى نحو محمود أخيه * ومحمود سريرته الفجور فغادره كأن دما نجيعا * يسيل على مدارعه عبير فقد وأبيكم وأبي جميعا * أصيبت إذ أصيب به النضير فإن نسلم لكم نترك رجالا * بكعب حولهم طير تدور كأنهم عتائر يوم عيد * تذبح وهي ليس لها نكير ببيض لا تليق لهن عظما * صوافي الحدي أكثرها ذكور كما لاقيتم من بأس صخر * بأحد حيث ليس لكم نصير وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير : لو أن أهل الدار لم يتصدعوا * رأيت خلال الدار ملهى وملعبا فإنك عمري هل أريك ظعائنا * سلكن على ركن الشطاة فتيأبا عليهن عين من ظباء تبالة * أوانس يصبين الحليم المجربا إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة * له بوجوه كالدنانير مرحبا وأهلا فلا ممنوع خير طلبته * ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم * سلام ولا مولى حيي بن أخطبا فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال : تبكي على قتلى يهود وقد ترى * من الشجو لو تبكي أحب وأقربا فهلا على قتلى ببطن أرينق * بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا إذا السلم دارت في صديق رددتها * وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا عمدت إلى قدر لقومك تبتغي * لهم شهبا كيما تعز وتغلبا فإنك لما أن كلفت تمدحا * لمن كان عيبا مدحه وتكذبا رحلت بأمر كنت أهلا لمثله * ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم * تبنوا من العز المؤثل منصبا إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا * ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا أولئك أحرى من يهود بمدحة * تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا فأجابه عباس بن مرداس السلمي ، فقال : هجوت صريح الكاهنين وفيكم * لهم نعم كانت من الدهر ترتبا أولئك أحرى لو بكيت عليهم * وقومك لو أدوا من الحق موجبا من الشكر إن الشكر خير مغبة * وأوفق فعلا للذي كان أصوبا فكنت كمن أمسى يقطع رأسه * ليبلغ عزا كان فيه مركبا فبك بني هارون واذكر فعالهم * وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم * وأعرض عن المكروه منهم ونكبا فإنك لولا لقيتهم في ديارهم * لألفيت عما قد تقول منكبا سراع إلى العليا كرام لدى الوغى * يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا فأجابه كعب بن مالك ، أبو عبدالله بن رواحة ، فيما قال ابن هشام فقال : لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما * أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا بقية آل الكاهنين وعزها * فعاد ذليلا بعد ما كان أغلبا فطاح سلام وابن سعية عنوة * وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا وأجلب يبغي العز والذل يبتغي * خلاف يديه ما جنى حين أجلبا كتارك سهل الأرض والحزن همه * وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعبا وشأس وعزال وقد صليا بها * وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما * وكعب رئيس القوم حان وخيبا فبعدا وسحقا للنضير ومثلها * إن اعقب فتح أو إن الله أعقبا قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق . وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن إسحاق فيه . قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، ويقال : عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام : قال ابن إسحاق : حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع قال ابن هشام : وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ؛ ويقال : ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع ، يقال لها : ذات الرقاع . قال ابن إسحاق : فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس . قال ابن هشام : حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري - وكان يكنى : أبا عبيدة - قال : حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن جابر بن عبدالله في صلاة الخوف ، قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم ، وطائفة مقبلون على العدو . قال : فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ، ثم سلم . قال ابن هشام : وحدثنا عبدالوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين ، فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الصف الأول ، فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه ؛ فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون بأنفسهم ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين . قال ابن هشام : حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري ، قال : حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر ؛ قال : يقوم الإمام وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ، ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ، ويتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ، ويسجد بهم ، ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة ، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة ، وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة . قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن عبدي ، بن الحسن ، عن جابر بن عبدالله ، أن رجلا من بني محارب ، يقال له : غورث ، قال لقومه من غطفان ومحارب : ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا : بلى ، وكيف تقتله ؟ قال : أفتك به . قال : فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره ، فقال : يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال : نعم ، - وكان محلى بفضة ، فيما قال ابن هشام - قال : فأخذه فاستله ، ثم جعل يهزه ، ويهم فيكبته الله ؛ ثم قال : يا محمد ، أما تخافني ؟ قال : لا ، وما أخاف منك ! قال : أما تخافني وفي يدي السيف ؟ قال : لا ، يمنعني الله منك . ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرده عليه . قال : فأنزل الله قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش ، أخي بني النضير وما هم به ، فالله اعلم أي ذلك كان . قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ؛ فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لك يا جابر ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، أبطأ بي جملي هذا ؛ قال : أنخه ؛ قال : فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم قال : أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال : ففعلت . قال : فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال : اركب ، فركبت ، فخرج ، والذي بعثه بالحق ، يواهق ناقته مواهقة . قال : وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، بل أهبه لك ؛ قال : لا ، ولكن بعْنِيه ، قال : قلت : فسمنيه يا رسول الله ؛ قال : قد أخذته بدرهم ، قال : قلت : لا ، إذن تغبنني يا رسول الله ! قال : فبدرهمين ؛ قال : قلت : لا . قال : فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية . قال : فقلت : أفقد رضيت يا رسول الله ؟ قال : نعم . قلت : فهو لك ؛ قال : قد أخذته . قال : " ثم قال : يا جابر ، هل تزوجت بعد ؟ " قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أثيبا أم بكرا ؟ قال : قلت : لا ، بل ثيبا ؛ قال ؛ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ! قال : قلت : يا رسول الله ، إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع رؤوسهن ، وتقوم عليهن ؛ قال : أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صراراً أمرنا بجزور فنُحرت ، وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا ، فنفضت نمارقها . قال : قلت : والله يا رسول الله ما لنا من نمارق ؛ قال : إنها ستكون ، فإذا أنت قدِمت فاعمل عملا كيسا . قال : فلما جئنا صراراً أمر رسول الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت ، وأقمنا عليها ذلك اليوم ؛ فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ؛ قال : فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت : فدونك ، فسمع وطاعة . قال : فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : ثم جلست في المسجد قريبا منه ؛ قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ؛ فقال : ما هذا ؟ قالوا : يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ؛ قال : فأين جابر ؟ قال : فدعيت له ؛ قال : فقال : يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالاً ، فقال له : اذهب بجابر ، فأعطه أوقية . قال : فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني شيئا يسيراً . قال : فوالله ما زال ينمي عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا يعني يوم الحرة . قال ابن إسحاق : وحدثني عمي صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ؛ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها وكان غائبا ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منـزلا ، فقال : من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ؟ قال : فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار ، فقالا : نحن يارسول الله ؛ قال : فكونا بفم الشّعب . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعب ، قال الأنصاريّ للمهاجريّ أيَّ الليل تحب أن أكفيكه : أوله أم آخره ؟ قال : بل اكفني أوله ؛ قال : فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، قال : وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة ( طليعة ) القوم . قال : فرمى بسهم ، فوضعه فيه ؛ قال : فنـزعه ووضعه ، فثبت قائما ؛ قال : ثم رماه بسهم أخر فوضعه فيه . قال : فنـزعه فوضعه وثبت قائما ؛ ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه ؛ قال : فنـزعه فوضعه ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال : اجلس فقد أثبتُّ ، قال : فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به ، فهرب . قال : ولما رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدماء قال : سبحان الله ! أفلا أهببتني أول ما رماك ؟ قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع على الرمى ركعت فأذنتك ، وايم الله ، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها . قال ابن هشام : ويقال : أنفذها . قال ابن إسحاق : ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع ، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا . قال ابن إسحاق : ثم خرج في شعبان إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عبدالله بن أبي ابن سلول الأنصاري . قال ابن إسحاق : فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان ، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية الظهران ؛ وبعض الناس يقول : قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع ، فقال : يا معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون فيه اللبن ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجعٌ ، فارجعوا ، فرجع الناس ، فسماهم أهل مكة جيش السويق ، يقولون : إنما خرجتم تشربون السويق . وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده ، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال : يا محمد ، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ؟ قال : نعم، يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال : لا والله يا محمد ، ما لنا بذلك منك من حاجة . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان ، فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي ، فقال ، وقد رأى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي به : قد نفرت من رفقتي محمد * وعجوة من يثرب كالعنجد تهوي على دين أبيها الأتلد * قد جعلت ماء قديد موعدي وماء ضجنان لها ضحى الغد وقال عبدالله بن رواحة في ذلك - قال ابن هشام : أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك : وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد * لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لأبت ذميما وافتقدت المواليا تركنا به أوصال عبتة وابنه * وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا عصيتم رسول الله أفٍّ لدينكم * وأمركم السيء الذي كان غاويا فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى لرسول الله أهلى وماليا أناه لم نعدله فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا وقال حسَّان بن ثابت في ذلك : دعوا فَلَجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الأوَارِك بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصارِه حقا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك أقمنا على الرس النـزوع ثمانيا * بأرعن جرار عريض المبارك بكل كُمَيت جوزُه نصف خلقه * وقبٍّ طوال مشرفات الحوارك ترى العرفج العاميَّ تذري أصوله * مناسِم أخفاف المطيّ الرواتك فإن نلق في تطوافنا والتماسنا * فرات بن حيان يكن رهن هالك وإن تلق قيس بن امرىء القيس بعده * يزد في سواد لونه لون حالك فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك من غرِّ الرجال الصعالك فأجابه أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، فقال : أحسَّان إنا يابن آكلة الفغا * وجدك نغتال الخروق كذلك خرجنا وما تنجوا اليعافير بيننا * ولو وألت منا بشَدٍّ مدَارِك إذا ما انبعثنا من مناخ حسبته * مدَمَّن أهل الموسم المتعارك أقمتَ على الرس النـزوع تريدنا * وتتركنا في النخل عند المدارك على الزرع تمشى خلينا وركابنا * فما وطئت ألصقنه بالدَّكادك أقمنا ثلاثا بين سلع وفارع * بجرد الجياد والمطي الرواتك حسبتم جلاد القوم عند قبابهم * كمأخذكم بالعين أرطال آنك فلا تبعثِ الخيل الجياد وقل لها * على نحو قول المعصم المتماسك سعدتم بها وغيركم كان أهلها * فوارس من أبناء فهر بن مالك فإنك لا في هجرة إن ذكرتها * ولا حرمات الدين أنت بناسك قال ابن هشام : بقيت منها أبيات تركناها لقبح اختلاف قوافيها ، وانشدني أبو زيد الأنصاري هذا البيت : خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا والبيت الذي بعده لحسَّان بن ثابت في قوله دعو فلجات الشأم قد حال دونها وأنشدني له فيها بيته " فأبلغ أبا سفيان "
|